وصول محمد علي إلي حكم مصر:
لقد تفتحت عيون المصريين علي ضرورة أحداث تغيير وأنهم لابد أن يشاركوا في اختيار من يحكمهم. وخاصة بعد أن وقفت الأمة في وجه الاحتلال الفرنسى وأجبرت الفرنسيين علي الرحيل عن مصر كما ظهرت قيادات مصرية لأول مرة وخاصة من علماء الأزهر وعلي رأسهم عمر مكرم الشيخ الشرقاوى والشيخ السادات ومحمد المهداوى القادم من ليبيا وغيرهم. ولكن بمجرد خروج الفرنسيين من مصر، عاد العثمانيون إلي احتلال مصر. وكان هناك المماليك يتطلعون إلي حكم مصر هم الآخرون والانفراد بها. وفي هذا التوقيت ظهر محمد علي علي الساحة المصرية.
محمد علي (تعريف): ولد في عام 1769م، في قوله من ثفور مقدونيا حيث ولد الإسكندر المقدوني وبطليموس الأول. كان أبوه إبراهيم أغا رئيس الخفراء في بلده. وقد اصبح محمد علي الابن الوحيد لأبيه نظراً لوفاة أخوته السبعة عشر الآخرين. ألحقه صديق والده حاكم قوله "الشوربجي" في الجندية وزوجه من امرأة غنية أنجبت له إبراهيم، وطوسون، وإسماعيل وبنتين. ثم جاء إلي مصر مع القوات الألبانية التى أرسلها السلطان العثماني لمحاربة الفرنسيين وكان نائب رئيس الكتيبة الألبانية وأصبح رئيساً لها برتبة بكباشى (مقدم).
وعندما شعر المصريون بواجبهم تجاه المشاركة في اختيار حاكمهم أحسن محمد علي استغلال هذا الشعور كما سنري. وقد رقاه "خسرو" باشا- الذي تعين والياً علي مصر من قبل "قبطان باشا حسن" "قائد الأسطول العثماني- إلى رتبة (سارى ششمه) أي لواء وأصبح رئيس فرقة. وعندما تم جلاء الإنجليز عن مصر عام 1802م طبقاً لاتفاق "إمبان" مع فرنسا ورغم التلكؤ الإنجليزي. اعتماداً علي أصدقائهم المماليك وخاصة مراد بك الذي تحول عن الفرنسيين إلى الإنجليز. وقد وجد "خسرو" باشا الفرصة لإبعاد محمد علي عن القاهرة حيث لمس فيه تطلعه إلي الحكم. فأمره بالاستعداد للرحيل إلي الصعيد لملاقاة المماليك. ولكن محمد علي تنبه إلي ذلك فأوعز إلي رئيسه "طاهر" باشا كبير الأرناؤوط أن يأمر جنوده بالمطالبة برواتبهم المتأخرة، وعندما عجز خسرو باشا عن دفعها حاصر الجنود الأرناؤوط القلعة واقتحموها وهرب خسرو إلي دمياط. وتعين "طاهر باشا" رئيس الارناؤوط قائمقام علي مصر لحين تعيين والي جديد. ولكن "الانكشارية" قتلوه، وعينوا "أحمد باشا" والي المدينة المنورة والذي كان موجوداً في مصر قائمقام علي مصر. وتحالف محمد علي مع "البرديسى" بك زعيم المماليك ضد هذا التعيين، ووجها إنذاراً إلي الوالي بمغادرة القاهرة. وهاجمت قوات البرديسى وبمساعدة من محمد علي، الجنود الانكشارية. وفي نفس الوقت تودد محمد علي إلي المشايخ والعلماء والتجار وخاصة كبيرهم أحمد المحروقي. وتعقب خسرو باشا حتى اعتقله. ثم قتل الوالي الجديد أحمد الجزايرلي باشا الذي عينه السلطان واستطاع محمد علي أن يوقع بين البرديسى و"محمد بك الألفي" الذي كان عائداً من إنجلترا محملاً بالهدايا، واتحد جيشاً محمد علي والبرديسى في القبض علي محمد الألفي والذي نحج في الهرب والالتجاء إلي الصعيد حيث كان سيده مراد بك.
وهكذا أصبح محمد بك الألفي يتربص بالبرديسى، وعندما أراد الأخير دفع رواتب جنده وأشتط في معاملة الأهالي، حرض محمد علي الأهالي علي الثورة ضده وأعلنهم أنه يقف معهم ضد الظلم فأيده الأهالي، وهاجمت فرقه الألبان بايعاز من محمد علي قصراً إبراهيم والبرديسى بك اللذين هربا إلي الصعيد. وقام محمد علي بحيلة ماكرة فأخرج خسرو باشا من معتقله في القلعة وعينه والياً علي مصر رافضاً الولاية معلناً ولائه للسلطان فأكبره الشعب لعزوفه عن السلطة ... وبعد محاولات وتحت ضغط الشعب وقادته رضخ السلطان وعين محمد علي والياً علي مصر عام 1805م وفي عام 1807م تمكن المصريون في رشيد من دحر قوات الإنجليز بقيادة الجنرال فريزر. وساعدهم علي ذلك عمر مكرم ورفاقه.
وبدلاً من أن يكافئ محمد علي العلماء علي قيادتهم للشعب المصري في رشيد قام بعزل عمر مكرم نقيب الأشراف ونفاه إلي دمياط فقد تخوف من زيادة نفوذه وقدرته علي تنظيم الأهالي وقيادتهم.
مذبحة القلعة: وبالتخلص من قيادة عمر مكرم والعلماء أتجه محمد علي للتخلص من المماليك الذين دعاهم إلي القلعة للاحتفال بمناسبة خروج أبنه طوسون علي رأس حملة لمحاربة الوهابيين عام 1811م. وبعد أن أكتمل تجمعهم في القلعة أمر بإغلاق أبوابها وفتح النيران علي المماليك المجتمعين فإبادهم جميعاً عدا واحد منهم هرب إلي الصعيد وهكذا قضي محمد علي منافسيه من العلماء والمماليك.
وبعد أن حاربت القوات المصرية الوهابيين في الجزيرة العربية وانتصرت عليهم. طلب السلطان العثمانى من محمد علي مساعدته فى القضاء علي ثورة اليونانيين ضد تركيا. وتمكنت القوات المصرية بقيادة إبراهيم في إخماد ثورة "الموره" في اليونان عام 1824م. ولكن الدول الأوربية تخوفت من طموحات محمد علي فأرسلت أساطيلها التى استطاعت من تدمير الأسطول المصري في نفارين في 20 أكتوبر 1827م مما أضطر محمد عي إلي سحب قواته من هناك علي غير رغبة السلطان العثماني.
إصلاحات محمد علي الداخلية:
1- أنشأ محمد علي المدارس العليا مثل مدرسة المهندسخانه ومدرسة الطب في أبو زعبل. وأرسل البعثات العلمية إلي أوربا وخاصة فرنسا. 2- أنشأ المصانع لخدمة الجيش وتوفير احتياجاته مثل مسابك المدافع وترسانة بولاق ومصانع الغزل والنسيج. 3- أنشأ الأساطيل التجارية في البحر المتوسط والبحر الأحمر. 4- استنباط زراعات جديدة وخاصة المحاصيل النقدية مثل القطن طويل التيله لونج إيلاند الأمريكي. 5- أنشأ الجيش المصري الحديث والذي زوده بالمعدات والأسلحة اللازمة. 6- انشأ مجلس الشوري عام 1829 برئاسة أبنه إبراهيم ومعه 156 عضو. 7-غرس الأشجار علي جانبي الطرق والتلال والكثبان لتثبيتها. 8- انشأ المدرسة البحرية وتوسيع ميناء الإسكندرية.
فتح الشام:
قام محمد علي بحملة ضد القوات التركية في الشام وتمكن إبراهيم أبن محمد علي من فتح الشام وهزيمة الأتراك عند ميلان والوصول إلي انطاكية، ثم يعاود هزيمة الجيش التركي عند قونيه وليصبح الطريق مفتوحاً أمام القوات المصرية للوصول إلي اسطنبول وهنا تدخلت الدول الأوربية وخاصة فرنسا وإنجلترا بعدما استنجد السلطان بالإمبراطور الروسى لانقاذه. وعقدت معاهد كوتاهيه عام 1832م التى علي أثرها انسحبت الجيوش المصرية من الشام ونجح محمد علي في الحصول علي اعتراف دولي بحكمه لمصر والشام وتثبيته عليهما وجعله وراثياً له ولأولاده من بعده. وتثبيت أبنه إبراهيم علي حكم "جده" ومشيخة الحرم (الحجاز).
موضوع: بدايات التاريخ المصري الحديث والمعاصر ( 7) 
الجمعة مارس 20, 2009 8:51 pm
