تابع ثورة 23 يوليو عام 1952--- 2

والحقيقة أن الشعب المصرى كان قد بدا ثورته على الوضع، ولكنه كان بحاجة إلى قيادة منظمة توجه نشاطه وتنظم صفوفه، فلما قامت الثورة لم. تكن تمثل فقط غضبه رجال الجيش، وإنما كانت تعبر عن رغبة شعبية عميقة، وهكذا التقت إرادة الجيش وارادة الشعب، فلما تحرك الجيش فى صباح يوم 23 يوليو عام 1952 لم يجد أمامه مقاومة.

اسباب ثورة يوليو:

أن البيانات التي أصدرتها في بدء قيامها لم توضح سوي الأسباب الظاهرية، أو الأسباب الجزئية،وخلاصة هذه البيانات أن قادة الثورة وكلهم من ضباط الجيش قد ثاروا علي فساد نظام الجيش، ذلك الفساد الذي كان من أسباب الهزيمة في حرب فلسطين، وأنهم اعتزموا تطهير الجيش من عوامل الفساد والرشوة والخيانة ثم متابعة التطهير في جميع مرافق البلاد، ووضع لواء الدستور وقد رأوا أن الملك بتصرفاته السيئة وعبثه بالدستور من أسباب الفساد الذي سيطر علي أداة الحكم، مما أدي بالتالي إلى الفوضى الشاملة التي عمت جميع المرافق وأساءت إلي سمعة مصر فاعتزموا خلعه فعلا في 26 يوليو 1952 .

والواقع أن هذه العوامل هي بعض أسباب الثورة لا كلها، فأسبابها أهم وأعمق من ذلك، فهي ليست خاصة بالجيش، وانما كانت قياداتها تعبر عن أحاسيس الشعب واتجاهاته وتترسم خطواته في تحديد هدفه، ولذلك لا تختلف هذه الثورة عن الحركات الشعبية التي سبقتها باستثناء الثورة العرابية إلا في اتخاذ الجيش أداة العمل و التنفيذ، وقد كانت هذه القوة فعلا هي السبيل لنجاح الثورة ولولاها لانتهت بالنكسة والإخفاق.

ويمكن أن نرجع أسباب ثورة يوليو إلي عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، ولذلك فان الثورة في معالجتها لتلك الأسباب ثورة سياسية واقتصادية واجتماعية، مما يميزها عن الحركات الشعبية الأخرى التي قامت.

الأسباب السياسية:

كانت الثورة تعبيرا عن سخط الشعب من الاحتلال البريطاني الذي جثم علي صدر البلاد سنوات طويلة، كما كانت تعبيرا عن سخط الشعب لاستغلال المستعمر للبلاد سياسيا واقتصاديا، ونقضه المتواصل مواعيد الجلاء، والمراوغة في تعويق الجلاء بمفاوضات متكررة . كما عمل الإنجليز بعد توقيع معاهدة 1936 علي تدبير المؤامرات وإسقاط الوزارات واقامتها، واستحداث الأزمات لتحقيق أغراضهم الاستعمارية. وأدرك الضباط الأحرار أن الواجب أن يكون لهم الدور المرتقب في الجهاد لانهم يمثلون القوة المسلحة التي يستطيع الشعب أن يستند إليها في التخلص من مساوئ سيطرة المحتل.

الأسباب الاقتصادية:

كانت الحالة الاقتصادية في أوائل سنة 1952 مما يحفز النفوس إلي الانتفاض والثورة و العمل علي تحرير البلاد من عوامل الفقر التي كانت تتردي فيها.

حقا أن البلاد قد خطت خطوات متوالية منذ الحرب العالمية الأولى في سبيل التقدم الاقتصادي، واطرد هذا التقدم في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتعددت المنشآت الصناعية، إلا أن مصر ظلت بصفة عامة من البلاد المتخلفة اقتصاديا، وكان من مظاهر هذا التخلف ظهور العجز في ميزانها التجاري، هذا إلي ما كان من سيطرة الاستعمار و النفوذ الأجنبى بصفة عامة علي مقدرات البلاد، وكان الغالبية العظمي من أفراد الشعب تشكو الفقر وسوء الحالة الاجتماعية بما يصحبها من انخفاض في المستوي المعيشي، وافتقرت البلاد إلي آفاق جديدة تزيد من الإنتاج القومي ومن دخل الأفراد كالتنمية الزراعية أو الصناعية ، وكان ذلك من العوامل التي أدت إلي التطلع نحو تغيير شامل في نظام الحكم قد يساعد علي إصلاح ما أغفل من شئون البلاد المالية والاقتصادية.

الأسباب الاجتماعية:

لقد كانت الحالة الاجتماعية تدعو أيضا إلي الثورة، وأهم مظاهرها فقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب . أن العدالة الاجتماعية من مقومات المجتمع المتقدم ، وأساسها أن لا تتحيف طبقة حقوق طبقة أخرى، وأن تقل الفوارق الشاسعة بين الطبقات، وأن تعمل الدولة علي تحسين حالة الطبقات الفقيرة من الوجهة الاقتصادية والصحية والثقافية، وبذلك يتحقق التضامن الاجتماعي بين أفراد الأمة.

وقد كانت الفوارق في الثروات بين أفراد المجتمع تتخذ طابعا خطيرا، وكانت البلاد تشكو من سوء توزيع ملكية الأراضى الزراعية، وأن سوء توزيع هذه الملكية في مصر ظاهر من إلقاء نظرة علي عدد الملاك ومقدار ما يملكون، ونسبة صغار الملاك إلي كبارهم في مجموع هذه الأراضى .ويوضح هذا الاحصاء هذه الحقيقة فيما يلي:

أن مساحة الأراضي المنزرعة قبل الثورة كانت 5.9662.662 فدانا، وكان مجموع ملاكها 2.760.661 مالكا.

فإذا نظرنا إلي الممتلكات الصغيرة فإننا نجد أن:

1. 1.459.167 مالكا يملك كل منهم حتى نصف فدان ، مجموع ملكياتهم 413.551 فدانا.

2. 522.162 مالكا يملك كل منهم أكثر من فدان إلي فدانين ومجموع ملكياتهم 449.186 فدانا.

3. 327.612 مالكا يملك كل منهم أكثر من فدان إلي فدانين ومجموع ملكياتهم 449.186 فدانا.

4. 153.293 مالكا يملك كل منهم أكثر من 2 حتى 3 أفدنه ومجموع ملكياتهم 314.855 فدانا.


5. 81.366 مالكا يملك كل منهم أكثر من 3 حتى 4 أفدنه ومجموع ملكياتهم 247.017 فدانا.

6. 56.589 مالكا يملك كل منهم أكثر من 4 حتى 5 أفدنه ومجموع ملكياتهم 247.000 فدان.

وإذا نظرنا إلي الملكيات الكبرى فإننا نجد أن:

1. 61 مالكا يملك كل منهم أكثر من 200 فدان ومجموع ملكياتهم 277.258 فدانا.

2. 28 مالكا يملك كل منهم من 1500 – 2000 فدان ومجموع 122.216 فدانا.

3. 99 مالكا يملك كل منهم أكثر من 800 إلي 1500 فدان ومجموع ملكياتهم 122.216 فدانا.

4. 92 مالكا يملك كل منهم أكثر من 800 إلي 1000 فدانا ومجموع مليكاتهم 86.483 فدانا.

ومعني ذلك أن 280 مالكا يملكون 583.400 فدان، أي أن 1 علي 10000 من الملاك حوالي 10% من الأراضى .

وإذا نظرنا إلي الملكيات التي تزيد عن 200 فدان، فاننا نجد أن 2215 مالكا يملكون 1.208493 فدانا، أي أن 8 علي 10.000 من الملاك يملكون 19% من الأراضى.

وواضح من هذا الإحصاء مبلغ سوء توزيع الملكية الزراعية، وهذا التوزيع السئ جعل الغالبية العظمي من صغار الملاك الزراعيين يملك الواحد منهم نحو ربع فدان، وهو مقدار لا يكفى للقوت الضروري للمالك وعائلته.

ولكي السعي إلي تحديد الملكية الزراعية قد باء بالفشل في عهد النظام الملكي ، وكانت كل محاولة من هذا القبيل مقضيا عليها بالإخفاق ولقد بذلت في عهد فاروق في سنة 1945 محاولة تشريعية لتحديد الزراعية ولكنها انتهت بالإخفاق.ولم يكن ممكنا في ظل النظام الملكي أن تحدد الملكية الزراعية، وكان لابد من ثورة لتحديد الملكية الزراعية فحالة البلاد الاجتماعية من هذه الناحية كان لها دخل كبير في قيام الثورة.