وفي هذا الوقت خرج العثمانيون مثلهم مثل الأوربيين ليغزوا منطقة المشرق والمنطقة العربية، فبدأوا بفارس والتى تمكن العثمانيون من دخول عاصمتها "تبريز" عام 1514م بعد انتصارهم في معركة "جالديران". وكانت حجة العثمانيون في غزوهم الفرس هو منع المد (الشيعي) من الاتجاه شرقاً ناحية العراق والبلاد العربية (السنية). وهي نفس الحجة التى سوف يبرر بها العثمانيين غزوهم للشام أو مصر وبالتالي بلاد الحجاز. وبدلا من أن يتجه سليم الأول السلطان العثماني إلي القوي الاستعمارية الأوربية التى طردت العرب من الأندلس وأغارت علي بلاد المغرب الإسلامي، أتجه إلي الشام ومصر للاستفادة من موقع مصر الاستراتيجي والسيطرة علي المناطق المقدسة الإسلامية والمسيحية لزيادة هيبتهم أمام القوي الأوربية، وأيضاً فقد خاف "سليم الأول" السلطان العثماني من التوجه شرقاً بعد انتصاره في معركة "جالديران" من إطالة خطوط مواصلاته وتعرضه لغارات من قبل الفرس.
ورغم أن المماليك كانوا ينظرون للعثمانيين بعين الرضا كمسلمين ويفرحون لانتصاراتهم في أوربا. وتعاونوا سوياً عام 1510 للانتصار علي سفن البرتغاليين التى كانت تسمي قوة القديس يوحنا أمام سواحل الإسكندرية. إلا أن العثمانيين كانوا ينظرون نظرة شك إلي المماليك وخاصة علي ضوء سيطرة مصر علي جزيرة قبرص عام 1424م. وأيضاً فإن العثمانيين كانوا يرون في عدم انضمام المماليك إليهم في حربهم ضد الصفويين الشيعة نوع من التمرد عليهم وبدأ العثمانيون هجومهم علي دولة المماليك في الشام بالهجوم علي إمارة ذو الفادر التى كان يحكمها الأمير علاء الدين من قبل السلطان الغوري سلطان مصر.
معركة مرج دابق عام 1516:
استعد العثمانيون بزعامة السلطان سليم الذي كان مازال شاباً في العشرين من عمره يخالط جنده ويمتطي جواده مثلهم ويتقدمهم ومعه قوات غير مشتتة ومسلحة تسليحاً جيداً بالمدفعية والجيوش المدربة المسيطر عليها والخاضعة لقيادته، بينما علي الجانب الآخر نجد السلطان الغوري: غليظ الجسم والبنيان ، ذو كرش (معده) يضع الخواتم في اصابعه، مترفاً في ملبسه يحب الأكل والشرب إلي حد النهم، يحكم مصر منذ خمسة عشر عاماً وعمره ثمانية وسبعون عاماً. قواته المصرية مشتتة في الجزيرة العربية للدفاع عن الحجاز ضد البرتغاليين. وباقي قواته أقل تدريباً وعدداً من العثمانيين. وساد القلق بين المماليك وقيادتهم من حجم الجيوش العثمانية، وفي الأساس كان هناك انفصالاً بين المماليك وبين المصريين. ومن كل هذا تتضح المقارنة لصالح العثمانيين. علاوة علي الأحوال المالية المتردية، علاوة علي اتصالات العثمانيين ببعض المماليك وتأليبهم علي السلطان الغورى. هذا علاوة علي قصر خطوط مواصلات العثمانيين بالنسبة للمماليك الذين طالت خطوط مواصلاتهم وبعد قواتهم عن القاهرة. هذا بالإضافة إلي سوء الأحوال الجوية التى لم تتعودها قوات السلطان الغوري. وقد مارس المماليك أقسى صنوف العنت والقسوة مع المصريين أثناء فترة تجهيز الجيش بحجة إعداده من سلب ونهب للممتلكات. حتى زاد من سخط الشعب وتوسيع شقة التباعد بينه وبين المماليك.
وبتقدم قوات السلطان الغوري إلي الشام. أرسل سليم خطاباً خداعياً إليه خاطبة فيه بالعم مما دغدغ مشاعر الغوري وجعله أقل حذراً وحرصاً. وكان تقدم القوات المملوكية بقيادة السلطان الغوري وكأنها في عرض عسكري وليس أقتراباً لقوات تتخذ مواقعها للدفاع عن حدود الدولة، وتستعد لملاقاة جيش آخر علي قدر كبير من الأعداد والتسليح.
وعند مرج دابق تقابل الجيشان وتمكن الجيش المصري ـ وخاصة قوات المماليك القراصنة الذين قاتلوا قتالاً شديداً وقتلوا الكثير من القوات العثمانية ـ من الانتصار وهنا لجأ العثمانيون إلي سلاح الخيانة فأوعزوا إلي الجيش المملوكى أن السلطان الغوري لن يدفع بالمماليك الجلبان إلي المعركة خوفاً عليهم، مما سبب فتنة بين المماليك القرانصة والجلبان. وليس هذا فحسب بل اتصل سليم السلطان العثماني بخاير بك حاكم حلب وأغراه بالمال والمناصب فخان هذا الأخير السلطان الغوري وانسحب بقواته من المعركة مما ساعد السلطان العثماني علي تحقيق انتصار علي قوات المماليك وقتل السلطان الغوري.
موضوع: بدايات التاريخ المصري الحديث والمعاصر ( 2 ) 
الجمعة مارس 20, 2009 8:44 pm
