وكان من رأى معظم أعضاء الوفد أن مهمة الوفد فى باريس قد أحبطت بالفعل، وان ليس ثمة ما يمكن عمله طالما كانت ابواب المؤتمر موصده امامهم وقى اجتماع عقده الوفد فى 26 مايو اعلن سعد زغلول "ان مهمة الوفد قد انتهت ، ولم يبق امل فى الحصول على الاستقلال التام ، وان كل قول عدا ذلك يعد مغالطة، وان عمل الوفد الان ما هو الا تنظيم للهزيمة.
وانقسم اعضاء الوفد بين مطالب بالعودة إلى مصر طالما ان البقاء فى باريس لم يعد مجديا، ومطالب باستمرار الوفد فى باريس لبث الدعاية للقضية المصرية بدلا من العودة إلى مصر حيث الاحكام العرفية التى تكبل حركته وتحول دون إسماع صوت مصر للراى العام الاوربى، وبمن يرى طرق باب إنجلترا التى اصبحت صاحبة الامر باعتراف دول المؤتمر، ومحاولة الفوز منها باكبر قدر من الحقوق التى توسع نطاق الحكم الذاتى "فى ظل الحماية".
واستقر الرأى على طرق "الابواب غير الرسمية كالمجالس والهيئات النيابية والجرائد والرأى العام " فى اوربا". ولكن الاوامر صدرت إلى الصحف الباريسية من رقابة المطبوعات الفرنسية بعدم الكتابة عن مصر لما فى ذلك من مساس بحليفتهم بريطانيا، وعندما اراد الوفد دعوة الصحفيين الفرنسيين امتنع اكثرهم عن تلبية الدعوة، كما اتخذت الصحف ذات النزعة الاستعمارية تنشر بين وقت واخر اخبارا مغرضة عن الحركة الوطنية المصرية. مما جعل الوفد يشعر بأنه محاصر فى باريس، ففكر فى ايفاد بعض اعضائه إلى انجلترا وامريكا لبث الدعاية للقضية المصرية وعندما قامت الصعوبات فى طريق تنفيذ هذه الفكرة كلف بعض المصريين المقيمين بانجلترا بهذا العمل، ولجأ الوفد إلى فتح حوار مع الاشتراكيين الاوربيين لاقناعهم بتأييد المطالب الوطنية المصرية، كما لجأ إلى البرلمانات فى بلدان الحلفاء يناشدها عدم التصديق على اعتراف حكوماتهم بالحماية على مصر، ومن بينها الكونجرس الامريكى.
كانت هذه الدعاية التى نظمها الوفد فى اوربا وامريكا تسعى للخروج بالقضية المصرية من مأزق الاعتراف الدولى بالحماية ، والعودة بها إلى وضعها السابق على الحرب بجعلها مسالة دولية، فاعتراف دول الغرب الحماية لا يعنى نجاحها، لان ذلك لا يتحقق الا اذا اعترف المصريون انفسهم بها، عندئذ فقط تكتسب الحماية صفة الشرعية، فما دام المصريون يأبون الاعتراف بها ويقاومونها، فان الباب يظل مفتوحا لتسوية المسالة بشكل يرضى القوى الوطنية فى مصر.
لذلك اقام الوفد خطة السياسى على استمرار رفض المصريون للحماية عن طريق رفع الروح المعنوية للشعب إلى اقصى درجاتها، مع الترويج لفكرة مؤداها بان باب القضية المصرية لا يزال مفتوحا فى الخارج وان فرصة النجاح فى الحصول على الاستقلال لا زالت موجودة بدليل بقاء الوفد فى باريس وعدم عودته إلى مر مع المحافظة على وحدة الامة وسلامة الصف الوطنى.
لجنة ملنر:-
وفى الاول من إبريل عام 1919، ابلغت الحكومة البريطانية اللورد النبى-المندوب السامى البريطانى-انها تعتزم ارسال لجنة تحقيق إلى مصر برئاسة اللورد ملنر، لإزالة سوء التفاهم وتقضى على أسباب "الشغب" وتثبيت الحماية على اسس ترضى الطرفيين : بريطانيا ومصر.
واعلنت بريطانيا عن سياستها تجاه مصر فى صورة بلاغ اصدره المندوب السامى فى 14 نوفمبر عام 1919، جاء فيه :
"ان سياسة بريطانيا العظمى فى القطر المصرى هى الاحتفاظ بالحكم الذاتى فيها تحت حماية بريطانيا، وانشاء حكومة ذاتية تحت رياسة سلطان مصر، اما غرض بريطانيا العظمى فهو الدفاع عن مصر ضد كل خطر خارجى، أو اى تدخل من جانب دولة اجنبية، وفى الوقت نفسه تأسيس نظام دستورى يمكن السلطان ووزرائه ومندوبى الامة المنتخبين تحت ارشاد بريطانيا العظمى على قدر حاجة البلاد من الاشتراك معا فى ادارة الشئون المصرية، كل فى مجاله الخاص وباسلوب يزيد فيه نفوذهم بمرور الايام، لذلك قررت حكومة جلالته ارسال لجنة إلى مصر تكون مهمتها وضع تفاصيل دستور لتحقيق هذه الغاية، وتقوم بالاعمال الاولية للازمة قبل تقرير الشكل المستقبل للحكومة، بالتشاور مع السلطان ووزراءه وأصحاب الشأن والرأى من المصريين وليس من وظيفة اللجنة فرض دستور على مصر فان مهمتها هى ان تدرس الأحوال درسا دقيقا ، وتبحث مع اصحاب الشأن فى البلاد فى الاصلاحات اللازمة، ثم تقترح نظام الحكم الذى يمكن ان يوضع موضع التنفيذ بالاتفاق مع السلطان ووزرائه كما هو المأمول.
موضوع: تابع الوفد لباريس 
الثلاثاء مارس 17, 2009 6:52 pm
